لقد تكلمنا وكتبنا كثيرا عن أهم ما يعانيه الاقتصاد الوطني من مشاكل وتحديات واختلالات، وحذرنا مراراً من المخاطر التي ستواجه البلاد إن لم تتم معالجة مواطن الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد. وكان ذلك منذ حوالي عشرين سنة، ولكن.. كذلك، فلقد تم تقديم عديد من الدراسات والتقارير والتوصيات المتعلقة بالموضوع ذاته، أعدتها جهات ولجان ومؤسسات محلية وأجنبية تتمتع بقدر كبير من المهنية والمصداقية، ولكن.. ومحصلة ما تقدم هو فقدان عديد من الفرص المواتية لم يتم اقتناصها لكي نُصلح، وننوع اقتصادنا الوطني ونرتقي بأدائه.

يبدو من الواضح أنه لم يكن هناك إدراك كافٍ لأهمية وخطورة هذا الموضوع، إضافة الى عدم إيلاء عنصر الوقت العناية الكافية. ولقد كررنا مراراً بأن ما نحتاجه هو إصلاح شامل في المجالين الاقتصادي والاداري. ولو تم تطبيق %50 من التوصيات المذكورة في تلك الدراسات والتقارير في ذلك الوقت، لكُنا جنبنا الاقتصاد الوطني من الوقوع في فخ هذه المشاكل، ولكُنا نجحنا بتحقيق الاهداف المرجوة بكلفة معقولة، ولجنينا وحصدنا ثمرات النجاح منعكسةً بشكل جلي على أداء مميز للاقتصاد وللبورصة، بالإضافة الى تمتع البلاد باقتصاد منوع وبإيرادات أخرى كبيرة نسبياً غير الايرادات النفطية.

لقد تعرض الاقتصاد الوطني الى تشوهات كبيرة وكثيرة فيه نتيجة لعدم تنفيذ تلك التوصيات، بحيث أستطيع القول إن البلاد تمر منذ فترة ليست بالقصيرة في حالة «فوضى اقتصادية» لا حدود لها، وقد تؤدي الى دخول البلاد في دوامات عديدة مدمرة على كل الصُعد.

هلع في البورصة

وبالنسبة لمعاناة سوق الكويت للاوراق المالية، وحالة الهلع التي يمر بها، فمن المعروف أن ذلك السوق يُعتبر مرآة تعكس بشكل عام حالة الاقتصاد الوطني، ومن العبث تفادي حقيقة مهمة مفادها أنه من الصعوبة بمكان أن تتمتع معظم الشركات المدرجة، والاخرى غير المدرجة في السوق، بوضع مالي سليم من دون أن يكون الاقتصاد الحقيقي في وضع صحيح ومتين، ومن دون أن تكون هناك بيئة أعمال محفزة وجاذبة ومستقرة، ذلك كله بافتراض استقرار الوضع السياسي. وبشكل مختصر، إن ما يعتري البورصة من ضعف يعود الى مجموعة من العوامل الاساسية المتراكمة، لعل أهمها:

الاول ينصرف بشكل أساسي الى عدم توافر برنامج اصلاح اقتصادي واداري.

بينما يتمحور العامل الثاني في عدم توافر بيئة استثمارية حاضنة وجيدة في السوق المالي (القانون المنظم السليم واللوائح المتبعة في السوق + عدم توافر أدوات مالية منوعة ومشتقات في السوق + عدم تعقيم السوق من الشركات الرديئة + عدم وجود صانع أو صناع سوق).

ويرتكز العامل الثالث على عدم وجود تفعيل حقيقي وسليم لمجموعة مهمة من القوانين ذات الطابع الاقتصادي، مثل قانون الخصخصة، وقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاصPPP+BOT، وقانون المستثمر الاجنبي (مع الانتباه الى ضرورة وأهمية وجود حوافز في تلك القوانين من شأنها جذب مستثمري القطاع الخاص، وبدون تفريط في أصول الدولة).

وينصب العامل الرابع على موضوع مهم، وهو الثقة التي باتت مفقودة.

على العموم، ينبغي على كل مواطن أن يجتهد ويُساهم بتقديم ما لديه من تصورات ومقترحات موضوعية في سبيل انتشال البلاد من حالة الفوضى الاقتصادية هذه التي يعاني منها الجيل الحاضر، والتي سوف تقصم ظهر الاجيال القادمة، إن لم يتم التصدي لها بسرعة وبجدية. واسمحوا لي أن أُبين لكم ما لدي من تصورات ومقترحات متواضعة بشأن هذا الموضوع، منطلقاً من الاستفادة من الصعاب التي تواجهها سوق الكويت للاوراق المالية، كمدخل نحو بناء رؤية متأنية للمستقبل الاقتصادي للبلاد.

تصورات ومقترحات إنقاذية

بدايةً، يتوجب أن يكون منطلقنا صحيحا وسليما من حيث معرفة ماهية «الرؤية المطلوبة». إن ما ينبغي استهدافه هو تنمية حقيقية إيجابية مستدامة، وذلك على صعيد كل من الاقتصاد والمجتمع. فكما هو معروف، لا تنمية من دون إصلاح شامل على كل الصعد، خصوصاً الاقتصادية والادارية منها، بحيث يمثل استراتيجية مستمرة بعيدة المدى. ولن تتحقق تلك التنمية المنشودة من دون توافر الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، حيث ان ذلك هو الداعم الرئيسي لحسن أداء قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة، طالما توافرت كل السبل الاخرى لذلك، مثل بيئة أعمال جاذبة ومتطورة بشكل ايجابي، مع تواجد سياسات اقتصادية سليمة، مع معالجة كل مافي «الشريط الاحمر» من عقبات.

وبالتالي، ومن وجهة نظري، أرى أن يكون عنوان تلك «الرؤية» هو: «نحو بناء اقتصاد حقيقي منتج». ويُعرَف ذلك بأنه الاقتصاد الذي يستطيع إنتاج مجموع السلع الاستهلاكية التي تُشبع حاجات الانسان مباشرة من مأكل وملبس وترفيه ومواصلات وتعليم وخدمات صحية.. الخ. وبالتالي، فالاقتصاد الحقيقي (العيني) هو الذي ينتج الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها. وغني عن البيان، فإن وجود اقتصاد حقيقي سيؤدي بالتبعية الى نشوء اقتصاد مالي رديف، مما يتطلب تواجد خدمات وأصول مالية منوعة لخدمة الاقتصاد الحقيقي. وليس بالضرورة أن يقوم الاقتصاد الحقيقي المنشود بإنتاج كل ما ورد في المناحي والمجالات التي جاءت في التعريف المذكور أعلاه، حيث ان المطلوب هو الاستغلال الامثل للموارد المتاحة والتشغيل الامثل للطاقات المتوافرة، إضافة الى التكامل مع الاقتصادات الاخرى ذات العلاقة (من المفيد جداً الاستفادة من الدراسة القيمة التي أعدها فريق من الدكاترة من جامعتي هارفرد وأم أي تي في نهاية ثمانينات القرن الماضي عن الاقتصاد الكويتي). إنني أُدرك تماماً أن مفاد ذلك هو الانطلاق من قاعدة حالية تقترب كثيراً من مستوى الصفر.

ولكن أين المفر؟ فخير لنا أن نبدأ من موقع نحن نعرفه، وإن كان ذلك مؤلماً، من أن لا نبدأ بتاتاً. فهناك دول سبقتنا بذلك وحققت نجاحات باهرة اقتصادياً بعد أن انهارت اقتصاداتها بشكل كلي (مثل اليابان، المانيا، الصين، سنغافورة، النرويج، كوريا الجنوبية، البرازيل)، حيث تبنت تلك الدول رؤى واستراتيجيات نفذتها بمهنية وحرفنة وجدية تكللت بنجاحات ساحقة. لقد كان السبب الحقيقي والرئيسي لتلك النجاحات هو العنصر البشري القادر والمؤمن بتلك الرؤية والتحديات التي قبِلها لتحقيق مصلحة بلاده، راضياً بكل تضحية مؤقتة في سبيل الوصول الى تلك الاهداف والغايات. لقد تحقق لتلك البلدان الاهداف التي سعوا اليها من دون أن تستخدم بلدانهم إبر مورفين مهدئة مؤقتاً، أو إستورويدات تنشط مؤقتاً الاوضاع التي تعود لاحقاً لسابقاتها، ولا وعود وردية تتبخر حينما تظهر على السطح أية مشاكل أو صعاب بسيطة. وبكل أسف، أستطيع القول ان ما نحتاجه حالياً هو إجراء «عمليات جراحية» جذرية نستأصل بها مواطن الخلل والفوضى الاقتصادية العديدة المتجذرة في الاقتصاد الوطني، إضافة الى اقتلاع مواطن الفساد وسوء الادارة بشتى السبل. لقد كان ذلك ممكناً قبل فترة من الزمن دون اللجوء الى العمليات الجراحية الاقتصادية، وذلك باستخدام بعض الادوية والعلاجات الاقتصادية، أما الان فما أمامنا إلا الجراحة.

إن المعنيين بهذه الرؤية، إن رغبا بتبنيها، هما الحكومة ومجلس الامة. ومن نافلة القول، ينبغي الابتعاد كلية عن الجوانب السياسية في سبيل تحقيق أهداف وغايات تلك الرؤية. كما يتوجب استخدام نهج إعلامي يختلف عما هو عليه الحال، بحيث تتم مصارحة الشعب الكويتي بشكل شفاف عن ماهية المخاطر المحدقة بنا حالياً، وبمستقبل أجيالنا القادمة، إن لم تتم مواجهة تلك المخاطر بشكل مهني وعاجل، حتى نستطيع جني الثمار المرجوة لنا ولاجيالنا المستقبلية. فقليل من التضحية الآنية ستجلعنا نتمتع بنتائج مستقبلية رائعة. ولا بد من أن تكون تلك الرؤية وخطة تنفيذها مسيرة وطنية يسبقها اتفاق وطني بشأنها.


سالم عبد العزيز الصباح ـ القبس

رمز السهم السعر حجم التداول
سابك 114.77 5,915,941
سامبا 26.98 1,138,683
الإتصالات السعودية 83.41 257,644
دار الأركان 13.47 74,648,349
الجمعيات العمومية .. الرتابة وضعف الوعي

من يملك الشركات المساهمة؟ سؤال بديهي يجيب عنه أي رجل يمر في الشارع دون مبالغة، لكن السؤال الذي تتلعثم الألسن عند الإجابة عنه هو: لماذا يغيب المالكون الحقيقيون عن محاسبة من فوضوهم لإدارة أملاكهم؟ وبعب

قطاع النفط.. قاطر للتنمية أم مُعوق لها!!

لا يخفى على الجميع ما للنفط من أهمية حيوية ودور استراتيجي في تركيبة الاقتصاد السعودي. فمنذ تأسيس المملكة وهي تعتمد بعد الله على النفط، وباستعراض النسبة المئوية لتوزيع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار

سرعة اتخاذ القرار تنقص "كثيرا" من المديرين

بعد مسألة الكفاءة والخبرة، يطرح اقتصاديون ومحللون ماليون جانبا ثانيا عن مديري صناديق الاستثمار العاملة في السوق السعودية، تتعلق بقدرتهم على سرعة اتخاذ القرار لضمان أعلى مكاسب للمستثمر في الصندوق. ويع

هل تبقى صناديق التحوط خياراً فعالاً؟

لقد جعلت الأحداث والتطورات التي شهدها عام 2008 بعض الناس يشككون في قدرة قطاع صناديق التحوط على الاستمرار . وفي حين ان المستثمرين باتوا معتادين على الانكماشات الكبيرة في أسواق الأسهم، إلا أن صناديق ال

الضغط الإعلامي لتمرير قرار السماح بتصدير

التصريح المنشور لوكيل وزارة التجارة والصناعة لشئون الصناعة "باستئناف تصدير الحديد دون شروط وان هناك عودة للسماح بأذونات التصدير للاسمنت والنفي بإلزام الوزارة المصانع بالبيع بسعر (10) ريالات وان البيع