رغم الاستثمارات الضخمة في الخارج، إلا أن اليابان دخلت في ثمانينيات القرن الماضي، في فترة طويلة من الانكماش. لكن الاقتصاديين لا يشخصون إمكانية وقوع النتائج نفسها لإمبراطورية الوسط التي أصبحت المُصدِّر الأول لتصدير رؤوس الأموال الصافية في العالم في عام 2015، وتصاعد هذا المؤشر خلال النصف الأول من العام الحالي.

من الواضح، أن الصين استنسخت الطريق نفسه الذي مضت فيه اليابان، التي ذهبت أغلب استثماراتها في سنوات الثمانينات إلى الخارج، قبل أن يكون السبب في أن يشهد اقتصادها تباطؤاً طويلاً انتهى فيما بعد إلى الانكماش.

ابتداءً من سنوات الـ 2000، غادرت الشركات الصينية مقارها لتبدأ بحملة صامتة من الهجوم على الاقتصاد العالمي، أولاً في آسيا المجاورة لها، ثم في بقية العالم، واليوم، لا يكاد يمضي أسبوع واحد من دون أن يتم الإعلان عن استحواذ في الخارج من قِبل مؤسسة صينية.

هل هي استراتيجية محفوفة بالمخاطر على الاقتصاد الصيني؟ والأهم من ذلك، ما مخاطر هجمة الاستثمارات الصينية على الاقتصاد الأوروبي؟ مثل هذه الأسئلة، طرحت نفسها بقوة على ندوة متخصصة عقدت في جنيف أمس الأول، حضرتها صحيفة "الاقتصادية" وشارك فيها مختصون في الاقتصاد الصيني.

وجاءت الندوة بعد إعلان من وزارة التجارة الصينية قبل أسبوعين أن بكين أصبحت للمرة الأولى في عام 2015، مُصدِّراً صافياً لرؤوس الأموال، وطبقاً للوزارة فإن الاستثمارات الصينية في الخارج زادت بنسبة 18.3 في المائة، لتصل إلى مستوى قياسي، بلغ 145 مليار دولار في عام 2015، مقابل 135.6 مليار دولار تم استثمارها داخل البلاد "بارتفاع نسبته 4.5 في المائة".

وتركزت الندوة على تحليل الاستثمارات الصينية الأخيرة، أو فقط تلك التي جرت في عامي 2015 و2016 في أوروبا وحدها، ومقارنتها بنظيرتها الأوروبية في الصين، وقد هيمن الاستحواذ الصيني في أوروبا على المناقشات، ويتعلق هذا الاستثمار تحديداً بشركة "سينجينتا" السويسرية عندما عرضت شركة "كيم جاينا" 44 مليار دولار في صيف 2016 لشراء الشركة.

وعلى الرغم من أن الاستحواذ لم يتم إنجازه بعد، إلا أنه أُعتبر آخر استحواذ صيني أدى إلى إسالة كثير من الحبر عندما تم الحديث عنه في أوروبا والقوى الاقتصادية الكبرى في آسيا حتى الولايات المتحدة.

وكشفت الندوة عن أن الاستثمارات الصينية في أوروبا خلال النصف الأول من عام 2016، تجاوزت في بعض البلدان، كفرنسا، وإسبانيا، وسويسرا، على سبيل المثال، مجموع ما استثمرته فيها طوال عام 2015، وأن الاستثمارات الصينية في بلدان أوروبية معينة مثل بلجيكا وفنلندا، زادت خلال النصف الأول بنسبة 75 في المائة، بالنسبة إلى الأولى، و66 في المائة، للثانية، مقارنة بمجموع استثمارات "مصنع العالم" في هذين البلدين طوال العام الماضي.

وفي ألمانيا، أبرم المستثمرون الصينيون 24 عقد شراء بين كانون الثاني (يناير) و30 حزيران (يونيو) 2016، مقارنة بـ 25 عقد شراء طوال عام 2015، وعلى هذا المعدل، سيتمكن الصينيون من مضاعفة رقم العام الماضي.

لكن في حالة بقاء وتيرة استثمارات الصينيين في فرنسا في النصف الأول على وضعها الحالي، فإنها ستتجاوز في نهاية العام ما استثمرته في فرنسا خلال 2015 بأكثر من الضعف، فقد أظهرت الأرقام التي تم عرضها في الندوة أن الصين استحوذت خلال النصف الأول على 15 شركة فرنسية، مقابل 12 في مجمل العام الماضي.

وفي بريطانيا، اشترت الشركات الصينية 15 شركة خلال ستة أشهر، مقابل 26 في 2015، وهي وتيرة ستؤول في نهاية العام إلى زيادة في نسب الشراء، والأمر كذلك في سويسرا، إذ ارتفع عدد الشركات التي اشتراها الصينيون من عشر طوال عام 2015 إلى 11 خلال النصف الأول من العام الحالي.

والأمر نفسه ينطبق على إسبانيا، إذ زاد عدد الشركات الإسبانية التي استحوذ عليها الصينيون من سبع في عام 2015 إلى ثمان في النصف الأول من العام.

وتؤشر وتيرة الشراء الصيني للشركات الإيطالية على زيادة حتمية في حجم الاستحواذ في نهاية العام مقارنة بعام 2015، إذ بلغ عدد الشركات الإيطالية التي تم شراؤها من قبل الشركات الصينية ثماني شركات خلال النصف الأول مقابل 14 في 2015، وفي جمهورية التشيك، اشترى الصينيون خمس شركات في الأشهر الستة الأولى من العام مقابل ست في 2015.

واشترت الشركات الصينية أربع شركات في بلجيكا خلال النصف الأول من العام، مقابل واحدة في 2015، وأيضاً ثلاث شركات في فنلندا خلال الأشهر الستة الأولى من العام، مقابل واحدة في العام الماضي.

لكن هل هناك مخاطر مالية واقتصادية لمثل هذه الاندفاعة الاستثمارية الصينية في الخارج؟ وهل ستؤول إلى انكماش في آخر الآمر، مثل الذي شهدته اليابان؟

يقول هوارد يو، البروفيسور في استراتيجيات الاقتصاد والابتكار في المعهد التقني العالي للإدارة في لوزان، "إن المستثمرين اليابانيين أخطأوا بوضعهم استثمارات كبيرة، أو لنقل المراهنة على نطاق واسع، في العقارات، فقد كنا في ذلك الوقت نسأل ما إذا كان اليابانيون ينوون شراء نيويورك بأكملها، لكن عندما انفجرت فقاعة العقارات في الولايات المتحدة تم سماع أصداء هذا الانفجار بصورة تلقائية وعلى فترة طويلة في اليابان".

وأشار هوارد يو، إلى أن الأمر مختلف للصينيين عن اليابانيين، إذ إن المستثمرين الصينيين استحوذوا بالتأكيد على عقارات في المدن الأوروبية الكبيرة، مثل جنيف، وفرانكفورت، ولندن، وباريس، لكن من دون أن تكون لهم استثمارات مُفرطة في القطاع ذاته، ومع ذلك، حذَّر هوارد يو، من الاستحواذات التي يُغالى في أسعارها في الخارج.

ويرفض هوسك لي ـ ماكياما، مدير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي، وهو مركز للتحليل الاقتصادي في بروكسل، الفكرة القائلة إن المستثمرين اليابانيين في الخارج لم يعملوا شيئاً سوى إيذاء الاقتصاد الياباني، فلو لم تستثمر "تويوتا" في الولايات المتحدة، وأوروبا، وآسيا، لكانت قد اختفت، وهو أمر واضح من ناحية الأرقام المعلنة، وعلى المنوال ذاته، فإن الاستحواذ على شركة "سي بي إس" الإعلامية الأمريكية من قبل، "سوني"، قد أعطى أيضاً ثماره.

وأكد ماكياما، وهو دبلوماسي سويدي سابق في ميدان التجارة، أن المؤسسات اليابانية توجهت نحو الخارج أيضاً لأن إمكانات الاستثمار داخل البلاد قد ضاقت، وكانت المسألة بالنسبة إلى الشركات اليابانية "مسألة حياة".

وأعرب، هوسك لي ـ ماكياما، عن اعتقاده أنه لا توجد هناك مخاطر حقيقية تواجه الصين في فتحها الأسواق العالمية، معتبرا أنها قوة اقتصادية كبيرة من الطبيعي أن تقوم مؤسساتها بتنويع نشاطاتها، فمن جانب هي تسعى للحصول على التقنيات، ومن هنا جاء الاستحواذ على شركات في ألمانيا بأعداد كبيرة، كما أنها تفتح أسواقاً جديدة في أوروبا والولايات المتحدة.

ويقول أنطوان كيرنين، البروفيسور في الاقتصاد في جامعة لوزان والمختص في الشؤون الصينية، "إنه لا يُمكن عمل مقارنة بين الصين اليوم واليابان خلال الثمانينات الميلادية، وإذا كان الاستثمار في الصين يُنتج في الوقت الراهن حجماً أقل من رؤوس الأموال، فإن هذا بسبب تقلص الفرص في السوق الصينية التي أخذت تتجه نحو الندرة.

وبالنسبة إلى كيرنين، فإن بعض العناصر التي كانت تتميز بها السوق الصينية نحو جذب المستثمرين، مثل الأجور المتدنية، لم تعد متوافرة الآن، بمثل ما كانت عليه في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات، وهذه هي النقطة الجوهرية التي ينبغي بحثها وتحليلها عند موازنة الاستثمارات الأوروبية في الصين مع الاستثمارات الصينية في القارة العجوز"، مضيفا أن "اليابان قامت أيضاً بنقل بعض نشاطاتها في إطار استراتيجية تسعى بموجبها لأن تبقى أكثر قدرة على المنافسة".

وأشار كيرنين إلى أن بكين قد أدخلت عوائق جديدة أمام المستثمرين الأجانب، وعديد من القطاعات، مثل الاتصالات، والمصارف، وأيضاً المشورة المقدمة للمؤسسات الاقتصادية تعتبر الآن محمية بشكل كبير من المنافسة. وفي هذا المجال، انتقد يورك فوتكه، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، هذه القيود، قائلاً "إنه في الوقت الذي تُظهر فيه أوروبا انفتاحاً إلى أقصاه، فإن المستثمرين الأوروبيين لا يجرؤون حتى في الحلم على شراء مطار في الصين"، في إشارة إلى شراء مطار تولوز الفرنسي من قبل اتحاد صيني من الشركات.


ماجد الجميل ـ الإقتصادية

رمز السهم السعر حجم التداول
سابك 114.77 5,915,941
الجمعيات العمومية .. الرتابة وضعف الوعي

من يملك الشركات المساهمة؟ سؤال بديهي يجيب عنه أي رجل يمر في الشارع دون مبالغة، لكن السؤال الذي تتلعثم الألسن عند الإجابة عنه هو: لماذا يغيب المالكون الحقيقيون عن محاسبة من فوضوهم لإدارة أملاكهم؟ وبعب

قطاع النفط.. قاطر للتنمية أم مُعوق لها!!

لا يخفى على الجميع ما للنفط من أهمية حيوية ودور استراتيجي في تركيبة الاقتصاد السعودي. فمنذ تأسيس المملكة وهي تعتمد بعد الله على النفط، وباستعراض النسبة المئوية لتوزيع الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار

سرعة اتخاذ القرار تنقص "كثيرا" من المديرين

بعد مسألة الكفاءة والخبرة، يطرح اقتصاديون ومحللون ماليون جانبا ثانيا عن مديري صناديق الاستثمار العاملة في السوق السعودية، تتعلق بقدرتهم على سرعة اتخاذ القرار لضمان أعلى مكاسب للمستثمر في الصندوق. ويع

هل تبقى صناديق التحوط خياراً فعالاً؟

لقد جعلت الأحداث والتطورات التي شهدها عام 2008 بعض الناس يشككون في قدرة قطاع صناديق التحوط على الاستمرار . وفي حين ان المستثمرين باتوا معتادين على الانكماشات الكبيرة في أسواق الأسهم، إلا أن صناديق ال

الضغط الإعلامي لتمرير قرار السماح بتصدير

التصريح المنشور لوكيل وزارة التجارة والصناعة لشئون الصناعة "باستئناف تصدير الحديد دون شروط وان هناك عودة للسماح بأذونات التصدير للاسمنت والنفي بإلزام الوزارة المصانع بالبيع بسعر (10) ريالات وان البيع