كتالونيا في انتظار تبعات اقتصادية "مؤلمة" بعد الانفصال الإسباني

2017/12/24 08:41 توقيت العربي

رغم أن القوى الانفصالية لم تحقق فوزا كاسحا في انتخابات كتالونيا، إلا أن حصولها على 70 مقعدا من عدد مقاعد البرلمان المحلي البالغ 135 مقعدا، يعيد بشكل أو بآخر الأزمة الإسبانية والمخاوف من انفصال الإقليم إلى نقطة الصفر. فالانفصاليون بصدد استعادة السيطرة على حكومة الإقليم مرة أخرى، مجددين مساعيهم بالانفصال عن الأراضي الإسبانية، في المقابل تتمسك الحكومة المركزية في مدريد بموقفها الرافض لتلك الدعوات، وتطالب الحكومة المقبلة بالخضوع للدستور.

الصراع الدائر بين الأغلبية الكتالونية المطالبة بالانفصال عن التاج الإسباني، وحكومة مدريد المدافعة عن وحدة أراضي المملكة الإسبانية، تحكمه مجموعة من الدوافع والمبررات، بعضها يجد جذوره في الأنثروبولوجيا واختلاف الأعراق، والبعض الآخر يستند إلى الاختلافين الثقافي واللغوي.

وبالطبع يرى آخرون في التاريخ عاملا حاسما في تبني وجهة نظر هذا الطرف أو ذاك، أضف لذلك مبررات ودوافع تنصب في اتجاه المستقبل السياسي، والتفاوت بين ملكية إسبانية دستورية، وجمهورية يطمح الانفصاليون الكتالونيون لإعلانها. ووسط تلك المجموعة العريضة من المبررات والدوافع يقف العامل الاقتصادي باعتباره أحد العناصر الحاسمة في تبرير الانفصاليين دعوتهم للانسلاخ عن الجسد الإسباني، بينما يتمسك الوحدويون به أيضا باعتبار الاقتصاد عاملا يبرر رفض انفصال الإقليم عن عرش الملك فيليبي السادس.

فبمجرد إعلان نتائج الانتخابات، انخفضت قيمة الأسهم الإسبانية، وتراجع مؤشر إيبكس 35 القياسي 1.6 في المائة، بسبب تقلص قيمة أسهم بنكي "كايكسا" و"بانكو ساباديل" 3 في المائة، كما انخفضت قيمة اليورو بنحو 0.2 في المائة. وإذ يكشف ذلك التأثير السلبي لنتيجة الانتخابات وفوز الأحزاب المؤيدة للاستقلال في الاقتصاد، فإنه يعبر أيضا عن أن الاقتصاد الإسباني واقتصاد إقليم كتالونيا سيواجهان خلال الفترة المقبلة مزيدا من المصاعب الاقتصادية، نتيجة التوقعات المتعلقة بغياب أفق واقعي لتسوية مرضية بين دعاة الانفصال والحكومة المركزية.

وتشكل كتالونيا التي لها لغتها وثقافتها الخاصة 6.3 في المائة، من مساحة إسبانيا و16 في المائة من عدد سكانها، وخمس إجمالي ناتجها الداخلي.

وتجتذب كتالونيا موطن الرسام سلفادور دالي أو المهندس المعماري أنطوني جاودي، 22.5 في المائة، من السياحة في إسبانيا.

وفي مجال الرياضة، كانت برشلونة المدينة الإسبانية الوحيدة التي استضافت الألعاب الأولمبية الصيفية في 1992، كما أن نادي برشلونة هو ثاني فريق حائز أكبر عدد بطولات في البلاد وخمس بطولات أوروبية.

وتعتبر كتالونيا مركز الصناعات الحديثة ومراكز أبحاث مهمة، وتمثل ربع صادرات إسبانيا، وتشهد نسبة بطالة تبلغ 13.2 في المائة، أي أقل بأربع نقاط عن بقية أنحاء البلاد.

لكنها أيضا إحدى المناطق الأكثر مديونية مع دين عام يوازي 35.2 في المائة، من إجمالي ناتجها الداخلي، وتحصل بانتظام على سيولة من صندوق خاص تابع للدولة الإسبانية، وتندد هذه المنطقة بتقاسم غير عادل للعائدات العامة في إسبانيا، وتعتبر ذلك سببا في اختناقها اقتصاديا وهو ما تنفيه مدريد.

البروفيسور إيثل باركلي أستاذ الاقتصاد الأوروبي يعتقد أن نقطة القوة لدى الانفصاليين هي ذاتها نقطة الضعف لديهم، ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن "الاقتصاد الكتالوني يمثل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي الإسباني، أي ما يساوي الاقتصاد البرتغالي تقريبا، وهو ما يعزز من حجج الانفصاليين بأنه في حالة نيل الاستقلال سيكون لديهم الإمكانية الاقتصادية لإقامة دولة مستقلة متطورة، إلا أن تلك الحجة على وجاهتها تتجاهل حقيقة، وهى أن إسبانيا يستحيل أن تقبل بفقدان خمس ناتجها المحلي الإجمالي بهذه السهولة".

ويضيف باركلي أن "اقتصاد كتالونيا متميز، فهو أكثر ملاءمة للأعمال التجارية والصناعية، ويحمل كثيرا من ملامح الاقتصادات ذات الطابع الدولي، ويشبه إلى حد كبير الاقتصادات التي تنتمي إلى المجموعة الجرمانية مثل ألمانيا، إلا أنه يحمل أيضا أمراض الاقتصاد الإسباني، فعدم المساوة والبطالة قد يكونان أقل من المتوسط العام في إسبانيا، لكنهما مشكلتان بعيدتان عن الحل، فنسبة البطالة بين الشباب الكتالوني تزيد على الثلث".

وفي الواقع فإن اقتصاد كتالونيا كان يميل إلى النمو بمعدل أعلى من معدل نمو الاقتصاد الإسباني، إلا أن الصراع بين الانفصاليين والوحدويين انعكس عليه، واستطاعت إسبانيا أن تتجاوز هذا العام، وللمرة الأولى منذ عام 2010 معدل نمو الاقتصاد الكتالوني، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا بنحو 3.1 في المائة، مدفوعا بنمو قطاع الخدمات وقطاعات التصدير التنافسية.

الإقتصادية